من المسائل الغيبية التي يجب الإيمان بها: البعث بعد الموت، لثبوتها في محكم الآيات، قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير}، فلا يُنكر البعث إلا كافرٌ ملحدٌ أو زنديقٌ متمرد. والبعث: هو إحياء الله تعالى الموتى، وإخراجهم من قبورهم، فإذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم، ذهبوا إلى أرض المحشر، ثم يقومون في أرض المحشر قياماً طويلا، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة! تشتد معه حالهم وظمؤُهُم، فإذا طال المُقام رفع الله عز وجل لنبيه ﷺ حوضه المورود، ثم يقوم الناس مُقاماً طويلاً، ثم تكون الشفاعة العظمى لنبيّنا ﷺ بأن يُعَجّلَ الله تعالى حساب الخلائق، فيبدأ الحساب وتتطاير الصحف، ويُؤْتَى أهل اليمين كتابهم باليمين، وأهل الشمال كتابهم بشمالهم، ويكون قراءة الكتاب، ثم بعدها يكون الميزان، ثم بعد الميزان ينقسم الناس إلى طوائف وأزواج، وتُقَام ألوية الأنبياء: لواء محمد ﷺ، ولواء إبراهيم، ولواء موسى وهكذا..
ويتنوع الناس تحت اللواء بحسب أصنافهم، كل شَكْلٍ إلى شكله، والظالمون والكفرة كذلك، فعلماء المشركين مع علماء المشركين، والظلمة مع الظلمة.. وهكذا. ثُمَّ بعد هذا يَضْرِبُ الله الظُّلمة، قبل جهنم والعياذ بالله، فيُعْطِي الله المؤمنين النور، فيُبصرون طريق الصراط، وأما المنافقون فلا يُعْطَون النور، بل يكونون مع الكافرين يتهافتون في النار، يمشون وأمامهم جهنم والعياذ بالله، ثم يأتي النّاس الصراط، فيمّرون عليه، كُلٌ يمرُّ بقدر عمله، فيمضي مَنْ رحمه الله، ويسقط في النار من سخط الله عليه، ثم إذا انتهوا من النار، اجتمع أهل الإيمان في عَرَصَات الجنة -أي ساحاتها-، ليقتصَّ أهل الإيمان بعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة، كان أعظمَ نعيمٍ ينتظرهم، هو: رؤية الله عزّ وجل! وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في لاميّته:
والمؤمنونَ يَـرَوْنَ حقـاً ربَّهُمْ * وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
المعنى الإجمالي:
ومن تمام حبِّ الله لأوليائه، أنهم يرون ربهم في الجنة بأبصارهم حقيقةً، كما جاءت النصوص القرآنية، وتواترت الأحاديث النبوية، والآثار السلفيّة، ومما تواترت به الأحاديث، وأثبته السّلف الصالح ويجب الإيمان به، أنّ الله ينزل كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الأخير، نزولاً يليق بجلال عظمته، وباهر كبريائه، من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تكييف.
أقوال الناس في مسألة رؤية الله في الآخرة:
القول الأول: ذهب الجهميّة والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإماميّة، إلى نفي رؤية الله تعالى عيانًا في الآخرة، وقالوا: باستحالة ذلك عقلا؛ لأنهم يقولون: إنّ البصر لا يُدرك إلا الألوان والأشكال، أي ما هو ماديٌّ، والله تعالى ذاتٌ غير مادية، فمن المستحيل إذن أن يقع عليه البصر! ثمّ أوّلوا النصوص وقالوا: المراد بالرؤية هي رؤية النعيم، ورؤية الثواب، وبذلك حرّفوا الأدلة، وصرفوا اللفظ عن ظاهره.
القول الثاني: عقيدة أهل السنة والجماعة هي: إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة، حقيقةً لا مجازًا، فالمؤمنون يرون ربّهم بالأبصار في الجنة، وهم في الرؤية على درجات، على حسب قربهم من الله، ومعرفتهم به، وهذا قولُ سلف الأمة وأئمتِها، وجماهير المسلمين. قال ابن تيمية: "الرؤية ثابتة بالنصوص المستفيضة، وإجماع السلف، مع دلالة العقل عليها" (منهاج السنة النبوية 3/334)،
ومن تلك الأدلة:
قوله تعالى:}وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{، }عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{ أي ينظرون إلى ربّهم، }لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ{ والزّيادة هي رؤية الله، ومن السنة: حديث جرير بن عبدالله البجلي قال: كنا جلوسًا عند رسول الله ﷺ، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته".
أقوال الناس في مسألة نزول الله تعالى:
القول الأول: الجهميّة ومن تبعهم من المعتزلة والأشاعرة، أنكروا صفة نزول الله إلى سماء الدّنيا، فقالوا: لو تركنا هذا النصّ على ظاهره، لزم الله انتقال الأعراض والأجسام، وهذا يستلزم التغير والزوال لله، فيكون الله من الآفلين! وبناء على هذا الأساس الباطل، عطلوا صفة النزول، وقالوا: المراد نزول اللطف، ونزول الرحمة، وليس نزول الله! وهكذا عطلوا هذه الصفة لله تعالى، وحرّفوا نصوصها. وقد سئل الإمام شريك بن عبدالله (177هـ) أنّ المعتزلة تنكر أحاديث النزول، فحدَّث بنحو عشرة أحاديث وقال: "أما نحن فقد أخذنا ديننا عن التابعين، عن أصحاب رسول الله ﷺ، فهم عمّن أخذوا؟!".
القول الثاني: عقيدة أهل السّنة والجماعة: أنَّ الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، في ثلث الليل الآخر، نزولاً يليق بجلاله، وعظيم سلطانه، فأهل السنة يثبتون النّزول، ويقولون نجهل كيفيّته، قال ابن تيمية: "يقال في مثل النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" (مجموع الفتاوى 4/4)، والدليل: ورد في الحديث الصحيح: ينزل ربنا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له"، قال ابن تيمية: "جمهور أهل السُّنة يقولون إنه ينزل، ولا يخلو منه العرش، كما نُقِل مثلُ ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد، يقول وهم متفقون على أنَّ الله ليس كمثله شيء، وأنه لا يُعلم كيف ينزل، ولا تُمثَّل صفاته بصفات خلقه" (منهاج السنة النبوية 2/639).
فما ورد من صفات الله تعالى، كالنزول والاستواء والوجه واليد ونحو ذلك، كلُّ ذلك ثابتٌ معلوم، لكنه في الكيفية مجهول، يليق بجلال الله وعظمته وكبريائه.
وقد ذكر الإمام الترمذي في سننه حديث (النزول)، ثم ذكر إجماع أئمة الإسلام على ما يدل عليه وقال: "قد قال غيرُ واحدٍ من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى، كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثبتَت الروايات في هذا، ويُؤمن بها ولا يتوهَّم، ولا يقالُ كيف؟ هكذا رُوي عن مالكٍ، وسفيانَ بنِ عيينة، وعبدِ الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمرُّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا هذا تشبيه"، قال ابن تيمة: "قولهم رضي الله عنهم: أمرّوها كما جاءت ردٌ على المعطلة، وقولهم: بلا كيف ردٌ على الممثلة" (مجموع الفتاوى 5/39).