يقول أهل العلم: إن توحيد الأسماء والصفات ينبني على قواعد وأصول، منها:
الأصل الأول: أنَّ أسماء الله وصفاته كلّها توقيفية، بمعنى لا يجوز إطلاق شيء منها على الله تعالى في الإثبات والنفي، إلا بنصٍ من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
الأصل الثاني: أسماءُ الله وصفاتُه، لا تماثل ولا تشابه أحدًا من خلقه أبداً، بل كل ما ورد من الأسماء والصفات فهو مختص به سبحانه، مثل: (يضحك الله لرجلين) فيه إثبات الضحك لله تعالى، فلا يصحُّ لأحدٍ أن يقول: لا يمكن أن نثبت لله الضحك، لأنه من صفات المخلوقين. بل نردّ عليه بأنّ: النبي ﷺ أثبت لله تعالى صفة الضحك، فكيف تنفيها عن الله بعقلك؟ هل أنت أعلم من الله ورسوله؟ بل الواجب أن يقال: الله تعالى يضحك، على ما يليق بجلاله وعظمته، وعقولنا ليس لها الحقّ أن تنفي أو تثبت صفات الله، وأيضًا لا نُدخل في عقولنا قضية المماثلة والمشابهة أبداً، بوجه من الوجوه. وللتوضيح أقول: عندما نُثبت لله تعالى صفة الحياة: الله حيٌّ، والإنسانُ حيٌّ، فهل حياة الإنسان مثل حياة الله؟ أبدًا.. فكما تنفي هنا المماثلة، فكذلك عليك نفي المماثلة في كلّ صفات الله، بدل أن تنفي الصفة أو تعطّلها أو تحرّفها عن معناها.
الأصل الثالث: صفاتُ الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فمثلاً: السمع، والبصر، واليد، والضحك، والعلوّ، والاستواء، إلى غير ذلك، كلها صفات كمال لا يوجد فيها نقص، ولهذا قال بعض السلف: كل صفةٍ أضيفت إلى الله فهي صفة كمال، لا توجب نقصاً، مثلما قال المعطّلة في حديث: "ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا"، قالوا: كيف ينزل؟ وما حاجة النزول؟ والنزول من صفات المخلوقين! ويلزم منه أن تكون السماوات فوقه! وغيرها من الشبه التي أوردوها، نقول: بمجرد أنّ النبيّ ﷺ وصف الله بهذه الصفة، فإنها صفة كمال، لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه تلقائياً، بل نقول ينزل ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، نزولاً يليق بجلاله وعظيم وسلطانه.
بعد ذكر هذه الأصول المهمّة، آن الأوان للشروع في شرح أبيات اللاميّة لابن تيمية، حيث يقول:
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا * حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
المعنى الإجمالي:
جميع صفات الله تعالى، الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، فإني أثبتها كما أثبتها الله تعالى لنفسه وأثبتها له رسوله ﷺ، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فهو سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وأقول فيها ما قال الطراز الأول وهم الرّعيل الأول، من السلف الصالح وفي مقدّمتهم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان.
قاعدة عظيمة:
قوله: "حقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ": هذه القاعدة العظيمة في إمرار نصوص الصفات، كما جاءت ورُويت عن الرّعيل الأول من السلف الصالح، وهم أئمة أهل السنة والجماعة، قال الإمام الترمذي في سننه: "قد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد والسمع والبصر، فتأوّلت الجهمية هذه الآيات، ففسّروها على غير ما فسَّر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده! وقالوا إنّ معنى اليد ههنا: القوة، وقال إسحق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه، إذا قال يدٌ كيد، أو مثلُ يد، أو سمعٌ كسمع، أو مثلُ سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثلُ سمع، فهذا التشبيه، وأما إذا قال: كما قال الله تعالى: يدٌ وسمعٌ وبصرٌ، ولا يقول كيفَ، ولا يقول مثلُ سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}".
وقال أبو سليمان الخطابي وأبو بكر الخطيب: "مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديث الصفات: إجراؤها على ظاهرها، مع نفي الكيفيّة والتشبيه عنها، وقالا في ذلك: أن الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع فيه مثاله؛ فإذا كان إثباتُ ذاته: إثباتُ وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثباتُ صفاته: إثباتُ وجود لا إثبات كيفية" (مجموع الفتاوى 12/574).
وقال محمد بن الحسن الشيباني: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب، على الإيمان بالصّفات، من غير تفسير ولا تشبيه". ويروى عن الشافعي: "آمنتُ بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله".
وأَرُدُّ عُهْـدَتَـهـا إلى نُقَّالِهـا وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
المعنى الإجمالي:
عقيدتي في أسماء الله وصفاته، أني أُرجِع عهدتها وأَخرُج من تبعتها، فأصون اعتقادي عن الخوض فيها، بعزوها إلى ناقليها، من الأئمةِ الأثبات والمهرةِ الثقات، وأحمي آيات الصّفات وأحاديثها، عن الخوض في معناها بتأويلٍ أو تشبيه أو تعطيل أو تكييف، وأصونها عن كلّ ما يُتخيّل بالبال، أو يَخطر بالخيال، فمتى خطر ببالك شيءٌ من ذلك، فالله تعالى خلاف ذلك.
منهج السّلف إثباتُ صفات الله:
قال ابن تيمية: "كلّ ما جاء من آيات وأحاديث الصفات، تُمَـرّ كما جاءت، ويؤمن بها، وتصان عن تأويلٍ يفضي إلى تعطيل، وتكييفٍ يفضي إلى تمثيل" (مجموع الفتاوى 6/355)، وهذه عقيدة السلف الصالح أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، إثباتٌ بلا تمثيل، وتنزيهٌ بلا تعطيل، قال تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{؛ فهذا ردٌّ على الممثلة، }وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{؛ وهذا ردٌّ على المعطلة.
فإذا كانت عقيدة الصحابة والتابعين، ومن سلك سبيلهم: إثباتُ صفات الله تعالى، من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف، فيجب علينا اتّباعُهم، فإنهم خير القرون، وهم أكثر النّاس فهمًا للقرآن والسّنة ولغة العرب، ممّن جاء بعدهم، وتأثر بلوثة كلام الفلاسفة والمتكلّمين. وأمّا من زعم أن طريقة المتأخرين أسلم أو أعلم من طريقة السّلف، فقد وقع في ضلال عظيم!
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ الكِتابَ وراءَهُ * وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
المعنى الإجمالي:
وهنا ذمّ الناظم رحمه الله من ترك السّنة، وهجر ما اتفق عليه الأئمة، بقوله: من ترك الآياتِ ونبذها، والسننَ النبويةِ وهجرها، وانحرف عن هدي القرآن بوسوسة الشيطان، وحكَّمَ المعقول ونبذَ صريح المنقول، وإذا استدل لبدعته، أتى بأحاديثٍ ضعيفة موضوعة، أو أبياتٍ شعرية مصنوعة، كاستدلال بعضهم ببيت يُنسب للشاعر الأخطل النصراني! فقبحاً لسيرته ومسيرته، وعلمه وتعلمه.
طريقة أهل البدع في الاستدلال:
طريقة أهل البدع في الاستدلال: أنّهم يردُّون نصوص القرآن بحجة أنها محتملة للمجاز، ويردون نصوص السنة الصحيحة، بزعم أنها لم تبلغ حدَّ القطع، ثم يستدلون في أصل دينهم بأدلةٍ مغلوطة! كاحتجاجهم بقول شاعر نصراني، يقال له الأخطل:
إنَّ الكلام لفي الفؤاد وإنما * جُعل اللسان على الفؤاد دليلا
الردّ على استدلال المعطّلة بهذا البيت:
استدلّ المعطّلة بهذا البيت من الشعر، حتى يعطّلوا صفة الكلام عن الله تعالى، ويدعموا قولهم: بأنَّ الكلام الحقيقي هو الكلام الذي يكون في النّفس! فالردّ عليهم من وجوه:
أولا: لم يثبت أنّ هذا البيت من شعر الأخطل، والغريب.. أنّ بعضهم لو احتجَّ عليهم محتج في مسألةٍ بحديث في الصحيحين، لردّوه وقالوا هذا خبر آحاد وليس متواتر! بينما هذا البيت لم يثبت نقله عن قائله!
ثانيًا: الحقائق العقليّة أو مسمى لفظ الكلام الذي يَتكلم به جميع بني آدم، لا يُرجع فيه إلى قول الشعراء! ثمّ هذا الشاعر ليس بحجةٍ في اللغة، وهو ليس من الشعراء القدماء، ثم هو نصرانيٌّ مثلِّث! والنصارى قد عُرف أنهم يَتكلمون في كلمة الله بما هو باطل! حتى قال ابن حزم: "ملعون ملعون قائل هذا البيت، وملعون من جعل هذا النصراني حجةً في دين الله" (الفصل : 3 / 219).
ثالثًا: الكلام إذا أطلق في اللغة العربية، فإنه يشمل الحروف والمعاني، وهذا هو الذي فهمه السلف من صفة الكلام لله تعالى، أمّا المعاني التي في النّفس، فصاحبها إن لم يتكلّم بها بصوتٍ وحرف، لا يطلق عليه متكلِّما، بل أخرسًا!
رابعًا: ما الذي يمنعكم أن تقولوا: أنَّ الله تعالى يتكلَّم متى شاء، بما شاء، وكيف شاء، على ما يليق بجلاله وعظمته، لا يماثل كلامه كلام المخلوقين؟ أما قال الله: (وكلّم الله موسى تكليمًا)! بعيدًا عن هذا التفلسف والتهرطق، فالهدي كلّ الهدي، في اتباع الكتاب والسّنة، بفهم سلف الأمة.